لم تَعد الرقمنة في القطاع المصرفي مجرد مسار تطويري تدريجي، بل تحولت إلى ركيزة إستراتيجية تعيد رسم خريطة الخدمات المالية عالميًا. وفي هذا السياق، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكثر الأسواق تقدمًا في تبنّي نماذج العمل المصرفي الرقمي، مستفيدة من بنية تشريعية مرنة، واستثمارات تقنية متسارعة، وبيئة ابتكار نشطة.
وقد عكس أسبوع أبوظبي المالي 2025، وتحديدًا عبر فعالية فنتك أبوظبي (FinTech Abu Dhabi) ملامح هذا التحول العميق، كاشفًا عن سباق محموم بين البنوك التقليدية التي تعيد بناء أنظمتها بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وبنوك رقمية صاعدة تدخل المنافسة بقوة وتغيّر سلوك العملاء.
الذكاء الاصطناعي.. مفتاح التفوق في البنوك التقليدية:
بالتوازي مع النمو الاقتصادي، تتجه البنوك الإماراتية الكبرى إلى إعادة هندسة عملياتها التشغيلية عبر تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات المتقدمة، سواء في الإقراض، أو إدارة المخاطر، أو خدمة العملاء. ولم يَعد التحول الرقمي يقتصر على الواجهات الأمامية، بل امتد ليشمل البنية التحتية الأساسية ونظم اتخاذ القرار.
ويقف
ويعكس هذا التوجه إدراكًا متزايدًا لدى البنوك التقليدية بأن قدرتها على الاستمرار والمنافسة ترتبط بمدى سرعتها في التحول إلى مؤسسات قائمة على البيانات وقادرة على تقديم خدمات مرنة ومخصصة.
الجيل الجديد.. البنوك الرقمية تنافس بقوة:
في الوقت الذي تستمر فيه البنوك التقليدية في تحديث أنظمتها، ظهرت فئة جديدة من المصارف الرقمية بالكامل، التي تمثل تحديًا ومحفزًا للابتكار في آن واحد، إذ تعمل هذه المصارف دون فروع أو بنية ورقية، وتعتمد بنحو كلي على التطبيقات الذكية، وتحليل البيانات الضخمة، الأتمتة الشاملة للخدمات.
ويُعدّ بنك (Wio) – الذي انطلق في الإمارات في سبتمبر 2022 – نموذجًا بارزًا لهذا الجيل الجديد، إذ استطاع خلال مدة قصيرة الحصول على حصة سوقية كبيرة، خاصة في سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتُشير فلسفة البنك إلى التركيز في تمكين العميل عبر تجربة استخدام بسيطة قائمة على المعرفة الفورية بالأموال.
وتعكس الإحصاءات المتعلقة باختيار الشركات الصغيرة والمتوسطة الجديدة للخدمات المصرفية الرقمية تحولًا جوهريًا في سلوك المستخدمين، الذين يفضلون الخدمات الرقمية المباشرة التي توفر سرعة فائقة وسهولة في الاستخدام، على النماذج المصرفية التقليدية المعتمدة على الإجراءات الورقية.
ويفرض هذا التحول ضغوطًا تنافسية على البنوك التقليدية، كما يدفعها إلى تسريع وتيرة الابتكار وتطوير عروض رقمية أكثر تقدمًا.
مستقبل القطاع في الإمارات.. منافسة يديرها الذكاء الاصطناعي:
يؤكد المشهد الذي ظهر خلال فعالية فنتك أبوظبي، أن القطاع المصرفي في الإمارات يتجه نحو نموذج رقمي متكامل، يتميز بعدة ركائز أساسية:
- كفاءة تشغيلية استثنائية: بفضل الأتمتة، تُقدم الخدمات المالية بسرعة عالية وأقل تكلفة تشغيلية ممكنة، مما يعزز الكفاءة المالية سواء في القطاع المصرفي أو الخدمات الحكومية.
- الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي: تعتمد نماذج الأعمال المتقدمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين التخصيص، وتعزيز الامتثال، وإدارة المخاطر بنحو أكثر دقة وفعالية.
- بيئة تنظيمية محفزة للابتكار: المنافسة بين البنوك التقليدية والرقمية مدعومة بأطر تشريعية وتقنية متطورة، مما يحفز الابتكار المالي باستمرار.
ومع سعي الحكومة الرقمية للوصول إلى 100% من الخدمات المرقمنة بالكامل، تستمر الإمارات في ترسيخ مكانتها كأحد أهم البيئات العالمية لتجارب التحول المصرفي الناجحة.
ختامًا؛ يُظهر تحليل المشهد المصرفي في الإمارات أن الذكاء الاصطناعي أصبح هو المحور الذي تدور حوله إستراتيجيات المصارف الإماراتية، سواء كانت تقليدية تسعى إلى النمو من خلال الكفاءة أو رقمية تسعى إلى الانتشار من خلال الابتكار. وتؤكد هذه المنافسة الصحية، المدعومة بمنظومة تقنية وتنظيمية متقدمة، موقع الإمارات الريادي عالميًا في صياغة مستقبل الخدمات المالية، لتصبح نموذجًا يحتذى به في التحول الرقمي للقطاع المصرفي.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية
أخبار متعلقة :