أخبار عاجلة

بعلبك الهرمل بين نقص الكهرباء والمياه والاستثمار السياسي

بعلبك الهرمل بين نقص الكهرباء والمياه والاستثمار السياسي
بعلبك الهرمل بين نقص الكهرباء والمياه والاستثمار السياسي

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن

تعود بعلبك الهرمل مرّة جديدة إلى الواجهة، لا عبر مشروع تنمويّ أو خطوة إصلاحية أو خطة حكومية طال انتظارها، بل من باب الوجع ذاته الذي لم يغادر حياة أهلها منذ ثلاثة عقود: غياب الكهرباء، غياب المياه، وأبسط الحقوق. وكأن قدر هذه المنطقة أن تبقى أسيرة الحرمان، مهما تبدّلت الحكومات وتعاقب على مقاعدها نوّاب، ومهما تغيّرت الشعارات والوعود الانتخابية التي لم تجلب لها سوى المزيد من العتمة والمزيد من العطش.

المشهد اليوم بلغ حدّ الانفجار في عز الحاجة خلال فصل الشتاء، فالكهرباء مقطوعة بشكل شبه كامل منذ أكثر من أسبوع وقبل أن تظهر أزمة الفيول على مستوى لبنان، والمياه مقطوعة وممنوعة لأيام عن أحياء عدّة بلا تفسير. أمّا المسؤولون فيلتزمون صمتًا مريبًا، أو يصدرون بيانات تبرير لا تُسمن ولا تُغني عن بصيص ضوء أو قطرة ماء. وعليه يسأل الناس: لماذا نحن تحديدًا؟ ولماذا كل هذا الاستهتار بحق منطقة يفترض أنها جزء من الدولة لا خارجة عنها؟

في مؤتمر صحافي عُقد في مقرّ اتحاد بلديات بعلبك، اجتمعت فاعليات المنطقة وروّادها ونخبها الدينية والاقتصادية لإطلاق صرخة موحّدة. تحدث المفتي بكر الرفاعي والمطران ميخائيل فرحا بصوت واحد، كاشفَين شعورًا عامًا بأن الدولة تتعامل مع بعلبك الهرمل كأنها منطقة “ملحقة” لا تستحق إلّا الفتات. والأدهى أن المنطقة التي تضمّ معملًا لإنتاج الكهرباء، تحصل على أقلّ حصة تغذية في لبنان، بينما تحظى مناطق أخرى بساعات تغذية مستقرّة أو شبه مستقرّة.

أما الأرقام التي كشفت خلال المؤتمر والتي لحظت الحصة العادلة للمنطقة ويجب أن تكون بين 40 و 50 ميغاواط لضمان 6 إلى 8 ساعات كهرباء يوميًا، فلا يصلها اليوم سوى 15 إلى 20 ميغاواط، ما يعني ساعتين أو ثلاثًا في أفضل الأحوال، وصولًا إلى الانقطاع التام، ما وصف بأنه ظلمٌ واضح وسوء إدارة.

 

تلك الأرقام التي كشف عنها في هذا التوقيت وهي محقة، دفعت بالناس إلى التساؤل: لماذا لم تطلق مثل هذه الصرخات والمطالبات خلال مراحل سابقة وخلال تولّي حلفاء للقيمين على المنطقة وزارة الطاقة. هذا الانطباع دفع بالقول لدى البعض إن فتح ملف الكهرباء والمياه في هذا التوقيت تحديدًا لم يعد مجرّد انتفاضة على الحرمان، بل يحمل أيضًا بُعدًا سياسيًا واضحًا. يرى كثيرون أن تضخيم الأزمة في بعلبك الهرمل قد يكون مقصودًا للتصويب على وزارة الطاقة الحالية لأنها بيد تيار سياسي معارض. وكأن المنطقة تُستخدم مرّة أخرى كأداة في سجال سياسي لا علاقة لها به، فيما يدفع الأهالي وحدهم ثمن هذا الاشتباك على حساب لقمة عيشهم وكرامتهم. فالمعاناة حقيقية وعميقة، لكن توظيفها في لعبة تصفية الحسابات يزيدها تعقيدًا، ويجعل السؤال أكثر إلحاحًا: هل تحوّلت حقوق الناس إلى ورقة ضغط بين القوى السياسية.

ولا تقف الأزمة عند حدود الكهرباء، فأزمة المياه تتفاقم يوميًا أيضًا، وسط تهالك شبكات الضخ، وغياب الصيانة، وازدياد الهدر، واستنسابية التوزيع، بحيث أصبح المواطن مضطرًا لشراء الكهرباء من المولّدات والمياه من الصهاريج، وكأن الدولة أصبحت مجرّد فكرة لا وظيفة لها.

دفعت هذه الأزمات الأهالي إلى التعبير بوضوح عن غضبهم، ووجّهوا اللوم مباشرة إلى ممثلي المنطقة، من نواب وسياسيين وأحزاب. وتساءل كثيرون: لماذا يصمت النواب؟ ولماذا لا يضغطون كما يفعل نواب مناطق أخرى؟ ولماذا تقبل الدولة لنفسها أن تكون عادلة وغنية في بعض المناطق، ومهمّشة وفقيرة في مناطق أخرى؟ ثلاثون عامًا من التمثيل النيابي لم تنتج مشروعًا واحدًا يمكن البناء عليه، ولم تغيّر شيئًا من واقع المنطقة المزمن.

ومع اقتراب الانتخابات النيابية، يتحوّل هذا الغضب الشعبي إلى تساؤل كبير: هل ستكون الانتخابات المقبلة محطة لتغيير فعليّ؟ هل سيترجم الناس غضبهم في صناديق الاقتراع؟ أم أننا أمام دورة جديدة من الوعود التي تنتهي دائمًا بالخيبات؟ يرى البعض أن الإهمال المتعمّد لبعلبك الهرمل ليس سوى محاولة سياسية للبقاء، فيما يرى آخرون أنه مجرّد استمرار لعقلية إدارة تعتبر المنطقة هامشية لا تستحق الأولوية.

بعلبك الهرمل اليوم أمام مفترق طرق. إمّا تستعيد حقها الطبيعي في الدولة، وإمّا تبقى أسيرة إهمالٍ مزمن تُدفع فاتورته كلّ يوم. أمّا الناس، فيبدون أكثر عزمًا من أي وقت مضى على أن تكون صرختهم بداية مرحلة جديدة وحساب جديد.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق “الحزب” يجزِّئ ذراعه المالية هرباً من العقوبات الدولية
التالى الشبيبة وجهًا لوجه مع البابا: السيادة قبل الخبز والماء