موقع دعم الإخباري

بري: خذوا السلاح واتركوا لنا “الحاكمية”

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:

يبدو أن هناك ثمة فجوة في العلاقة بين الرئيس نبيه بري وأحد الأجنحة المتصارعة داخل “حزب الله”، وهو الجناح الأكثر تماهيًا مع “الحرس الثوري” في إيران، يمكن تلمسها عبر عدة مؤشرات. بدءًا من البيان الشهير الموجّه إلى الرؤساء الثلاثة، ومغازيه التي تعكس نوعًا من كفّ يد رئيس البرلمان عن مسألة التفاوض، مرورًا بإعادة استحضار الإمام المغيّب موسى الصدر، بالتزامن مع ظهور مواد تاريخية وإعلامية جديدة، وتوظيف خلافه الأيديولوجي مع الإمام الخميني، خصوصًا في مسألة ولاية الفقيه، كمادة جدلية بين جمهورَي “الثنائي الشيعي”. انتهاءً بحرب التسريبات المندلعة بين الطرفين في الآونة الأخيرة.

الأساس في هذه الفجوة هو اختلاف الأولويات. فضلًا عن غياب التمويل الخارجي لإعادة الإعمار في ظل بقاء السلاح، يدرك الرئيس بري، الداهية المخضرم، أن ثمة قرارًا أميركيًا كبيرًا بإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن الخيارات المطروحة على طاولة البحث لتنفيذ هذا القرار قاسية، وتشمل منح ضوء أخضر لعملية إسرائيلية لتجريد “الحزب” من سلاحه. لذلك، فهو يعمل على توظيف شبكة علاقته الواسعة، وخبرته السياسية الطويلة ممزوجة بالأدوات المتاحة، لصياغة تسوية تمهّد الطريق أمام دخول الشيعة عصر ما بعد سلاح “حزب الله”.

حسب المعلومات، فإن التسوية التي يسعى إليها بري ترتكز على تطوير “اتفاق الطائف”، للوصول إلى نسخة منقحة منه، تأخذ بالاعتبار مستقبل الشيعة ودورهم، من خلال إقرار “اللامركزية الإدارية الموسعة”، لمنح أهل الجنوب ضمانة تبدّد هواجس التهجير، وتجعلهم شركاء في إدارة منطقتهم، والمشاريع المطروحة على الطاولة إزاءها، وفي طليعتها “منطقة ترامب الاقتصادية”. مقابل تأمين مخرج دستوري لتسليم سلاح “الحزب” إلى الدولة يتماهى مع فلسفة “الطائف”.

بالإضافة إلى قانون انتخابي جديد يتسق مع التقسيمات المقرّة في الاتفاق، والقابلة لإجراء تعديلات إدارية، حيث يعلم بري أن ثمة دفعًا خارجيًا لتغيير قانون الانتخابات، بما ينسجم مع العرف اللبناني بولادة قانون جديد على وقع كل مرحلة انتقالية، لترجمة المتغيّرات في موازين القوى. وكما أشرنا سابقًا، فإن رئيس البرلمان يطلب تأجيل الاستحقاق النيابي لمدة سنتين لمنحه الوقت اللازم لترتيب البيت الداخلي الشيعي، مقابل تسهيل إقرار قانون جديد يكون شريكًا في استيلاده وقواعده.

تشير المعلومات إلى أن بري تعهّد أمام الموفدين الدوليين بتسليم “الحزب” المسيرات والصواريخ إلى الجيش، لكنه أبدى تشدّدًا في مسألة السلطة ودور الشيعة في النظام، على قاعدة “خذوا السلاح واتركوا لنا الحاكمية”، مؤكدًا أنه لا يسعه القبول بخسارة الشيعة السلاح والسلطة في الوقت عينه. الأمر الذي ينسجم إلى حد كبير مع الحالة العراقية، حيث التزمت فصائل “الحشد الشعبي”، والتيارات الموالية لإيران، بعدم الاشتراك في الصراع العسكري للحفاظ على السلطة، مع وجود نقاشات انطلقت عقب التغيير في سوريا تبرز “الفيدرالية” كخيار مطروح في حال ساءت الظروف.

ولأن النظام في لبنان مركّب ومعقد، وتلعب عناصر كثيرة خارجية وداخلية الدور المرجّح لكفة موازين قوى على حساب أخرى، فإنه ما من ضمانة جدية للحفاظ على نفوذ الشيعة في القرار اللبناني سوى اللامركزية الموسعة، حسب وجهة النظر التي تدفع بالتسوية المشار إليها.

وفق مصدر سياسي مطّلع، فإنه يمكن ملاحظة بصمة هذه التسوية في خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير، فبقوله إن حزبه لا يسلم سلاحه إلى أميركا أو إسرائيل، ترك نافذة مفتوحة لخيار التسليم للدولة، فيما الخبر الذي نشرته “وكالة تسنيم” المقربة من “الحرس الثوري” حول استقبال مستشار المرشد، علي ولايتي، سفير “الحزب” المعتمد في إيران، عبد الله صفي الدين، أكد رفض تسليم السلاح بالمطلق.

والخبر هذا يعد ترجمة للموقف المتصلب لـ “الحرس الثوري”، المتصل بالجناح التابع له مباشرة داخل “الحزب”، ورفضه تقديم تنازلات، وصولًا للتصويب على بري بشكل متصاعد. بالتوازي مع دعاية مكثفة حول ترميم القدرات، والاستعداد لجولة حرب جديدة، في ظل أن الأولوية هي لمشروع الملالي التوسعي المتداعي.

بيد أن هذه التسوية تتطلب غطاء عربيًا ودوليًا، لأن المس بـ “الطائف”، ولو عبر عمليات تجميلية لتكييفه مع المتغيرات، يعد أمرًا مرفوضًا. لذا، يسعى الرئيس بري عبر قنوات الحوار والتواصل المفتوحة مع السعودية وإيران وأميركا لإقناعهم بالمضي بها، وأنها تشكل الحل الأفضل لحماية الشيعة من نكبة قاسية، ولنجاح لبنان في عبور المرحلة الانتقالية وسط مناخ من الاستقرار.

أخبار متعلقة :