كتبت رماح هاشم في نداء الوطن:
في ظلّ الأزمات الاقتصادية المُتلاحقة التي يمرّ بها لبنان، يبرز القطاع الزراعي كأحد أعمدة الصمود الوطني وفرصة حقيقية للانتقال من اقتصاد ريعي هش إلى اقتصاد منتج ومستدام. وبين التحديات والفرص، تعمل وزارة الزراعة على إعادة الاعتبار لهذا القطاع الحيوي، من خلال سياسات داعمة، برامج تنظيمية، وفتح أسواق خارجية للمنتج اللبناني.
يقدّم المدير العام لوزارة الزراعة لويس لحود رؤية شاملة لواقع الزراعة اللبنانية، مسلّطًا الضوء على قصص نجاح نوعية في قطاعات العسل، الزيتون، والنبيذ، إضافة إلى المبادرات الوطنية لحماية الغابات، دعم المزارعين، وتعزيز الاقتصاد الريفي، في مقاربة تهدف إلى تثبيت الإنسان في أرضه وترسيخ الأمن الغذائي والسيادة الغذائية في لبنان.
يؤكّد لحود لـ “نداء الوطن”، أن ” القطاع الزراعي يُعد من القطاعات الأساسية في الاقتصاد الوطني، وهو ركيزة محورية في عملية التحوّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج. إذ تشكّل الزراعة نحو 3.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر فرص عمل لما يُقارب 6 % من القوى العاملة اللبنانية، وترتفع هذه النسبة إلى نحو 25 % في المناطق الريفية، ما يجعل الزراعة خامس أكبر قطاع من حيث التشغيل”.
العسل اللبناني
بالحديث عن العسل، يوضح أن “العسل اللبناني يتمتع بخصوصية عالية ناتجة عن التنوّع البيئي والمناخي وتعدّد النباتات الرحيقية، ما ينعكس جودةً ونكهةً وقيمةً غذائية مرتفعة. واستطاعت وزارة الزراعة بعد متابعة حثيثة مع الجانب الأوروبي إعادة إدراج لبنان ضمن الدول المسموح لها بتصدير العسل إلى دول الاتحاد الاوروبي ونجح لبنان، رغم الأزمات المتراكمة، بإدخال العسل الطبيعي اللبناني إلى الأسواق الأوروبية ممّا يؤكد مطابقة المنتج اللبناني لأعلى المعايير والمواصفات العالمية والدولية”.
الأيام الوطنية
بالانتقال إلى الحديث عن “الأيام الوطنية”، يقول لحود: “نظمت وزارة الزراعة، برعاية وحضور وزير الزراعة نزار هاني، وستواصل تنظيم الأيام الوطنية الزراعية في مختلف المناطق اللبنانية، التي شملت حتى تاريخه التفاح والكرز والزيتون وزيت الزيتون وسلامة الغذاء والصيد البحري والعرق والبندورة ويتم إعداد أيام الحليب والبطاطا والحمضيات والموز والنحل والغابات وهي مبادرة حظيت بدعم مباشر من الوزير ومن فريق عمل الوزارة، الذي قدّم مساهمة أساسية في إنجاح هذه الأنشطة”.
يشير مدير عام الزراعة إلى أن “الأيام الوطنية تهدف إلى تسليط الضوء على المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، إضافة إلى الصناعات الزراعية، بما يساهم في: دعم المزارعين في الأرياف اللبنانية، خلق فرص عمل محلية، تعزيز الاقتصاد الريفي، المساهمة في إدخال العملة الصعبة من خلال دعم المنتجات القابلة للتصدير، وجعل الدورة الاقتصادية متكاملة داخل المناطق الريفية بدل حصرها في المدن”.
الزيتون
في ما يتعلّق بقطاع الزيتون، يلفت لحود إلى أن “قطاع الزيتون تعرّض في جنوب لبنان لتداعيات سلبية كبيرة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، التي طالت الأراضي الزراعية وأثرت بشكل مباشر على شجرة الزيتون، هذه الشجرة التي لا تمثل مجرد محصول زراعي، بل تختصر التاريخ والتراث والهوية اللبنانية، وتحظى بأهمية خاصة في الوجدان الوطني”.
وفي ظلّ التحديّات التي تواجه القطاع، يوضح أن “وزارة الزراعة شكلت لجنة قطاعية للزيتون وزيت الزيتون اللبناني ضمت ممثلين من مختلف الجهات المعنية والتي أنجزت مؤخرًا الخطة الاستراتيجية للقطاع التي ستدخل ضمن خطة الوزارة 2026-2035 . وتجدر الإشارة إلى أن لبنان يشغل عام 2026 منصب نائب رئيس المجلس الدولي للزيتون وهذا يدل على ثقة دولية”.
النبيذ
بالنسبة إلى قطاع “النبيذ”، والذي يستحوذ أهمية كبرى، يلفت لحود إلى أن “وزارة الزراعة بدأت عام 2013 تحدّيًا كبيرًا في قطاع النبيذ اللبناني، وتمكّنت، من خلال التعاون الوثيق مع المنظمة الدولية للنبيذ والكرمة (OIV)، ومع مزارعي الكرمة ومنتجي النبيذ، من تحقيق نجاح نوعي تمثل في فتح أسواق جديدة، زيادة الصادرات، وتطوير الإنتاج المحلي للعنب المخصّص لصناعة النبيذ.
ويتحدّث عن “تطوّر القطاع بالأرقام، إذ يوجد اليوم في لبنان 63 مصنع نبيذ مسجّلاً لدى وزارة الزراعة، يبلغ الإنتاج السنوي نحو 12 مليون قنينة نبيذ”.
ويؤكّد لحود أنه “تمّ الالتزام الكامل بالمعايير الدولية التي تفرضها منظمة OIV، سواء من حيث الأصناف، طرق الزراعة، المواصفات الفنية، والجودة”، لافتًا إلى أن “هذا الالتزام مكّن النبيذ اللبناني من الدخول إلى أسواق عالمية جديدة وتعزيز قدرته التنافسية”.
ويشير إلى أن ” وزارة الزراعة نظّمت وشاركت في أيام ترويجية دولية في عدد من الدول، أبرزها:
فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، سويسرا، الدنمارك، الولايات المتحدة الأميركية: نيويورك، لوس أنجلوس، سان فرانسيسكو، واشنطن، البرازيل، وجنيف”، موضحًا أن “خلال هذه الفعاليات، جرى التعريف بالنبيذ اللبناني، وتمكّن عدد من المنتجين من توقيع عقود تصدير مباشرة، ما سمح للنبيذ اللبناني بمنافسة نبيذ دول ذات تاريخ عريق في هذا المجال”.
انتشار النبيذ داخل لبنان
بالتوازي مع الترويج الخارجي، يلفت لحود إلى أنه “أُطلقت حملة وطنية داخلية واسعة لتعزيز استهلاك النبيذ اللبناني، فانتشر القطاع: من البقاع إلى البترون، جبل لبنان، جزين، دير الأحمر، زحلة. وشمل لاحقًا مناطق إضافية مثل تنورين، وبذلك، انتقل النبيذ من كونه نشاطًا محصورًا بمنطقة واحدة إلى قطاع وطني موزع على مختلف المناطق اللبنانية”.
وعن الآفاق المستقبلية، يلفت إلى أن “الهدف المرحلي: رفع الإنتاج إلى 50 مليون قنينة نبيذ سنويًا، الهدف البعيد: الوصول إلى 100 مليون قنينة، التوجّه نحو فتح أسواق جديدة كالسوق الصينية، وتوسيع مساحات زراعة الكرمة وتعزيز التصنيع الزراعي”.
اعتراف دولي
يعتبر لحود أن “هذا النجاح جعل المنظمة الدولية للنبيذ والكرمة تصنف لبنان كإحدى أهم عشر دول ومناطق عالمية في قطاع النبيذ، في إنجاز يعكس تكامل الجهود بين الدولة، القطاع الخاص، والمزارعين، إلى جانب مدن النبيذ العالمية مثل بوردو وديجون في فرنسا، إنسينادا في المكسيك، بونتا دل إستي في الأوروغواي، سانتياغو في تشيلي، فيرونا في إيطاليا، يانتاي وينتشوان في الصين، وسرقسطة في إسبانيا، جرى تصنيف زحلة لتصبح واحدة من عشر مدن عالمية للنبيذ”. مشيرًا إلى أن “هذا التصنيف يُشكّل تقديرًا دوليًا للنبيذ اللبناني، واعترافًا بالدور التاريخي والريادي الذي لعبته زحلة وقضاؤها، حيث تتمركز الغالبية الكبرى من مصانع النبيذ اللبنانية، وحيث ارتبط اسم المدينة تاريخيًا بالشعر والخمر والتراث الثقافي”.
وكشف أنّ “زحلة ستكون على موعد مع محطة كبرى في حزيران المقبل، حيث سيتم تنظيم مؤتمر علمي متخصّص يُسلّط الضوء على: النبيذ اللبناني، أهمية زحلة ودورها المحوري في هذا القطاع، والمسارات التقنية والعلمية لصناعة النبيذ”.
تنظيم القطاع
في إطار تنظيم القطاع الزراعي وتطوير السياسات الداعمة له، يلفت لحود إلى أن “الوزارة دعت جميع المزارعين إلى التسجيل في السجل الوطني للمزارعين، لما لذلك من دور أساسي في حصر الحيازات الزراعية، وفهم واقع الإنتاج، وتحديد الاحتياجات الفعلية لكل قطاع. وقد بلغ عدد المزارعين المسجّلين حتى اليوم نحو 70 ألف مزارع في مختلف المناطق اللبنانية، وهو رقم ارتفع في الفترة الأخيرة بفضل الفرق المتنقلة التي تعمل على تسجيل المزارعين ميدانيًا”.
لماذا السجل مهم؟، يجيب : “يتيح السجل الوطني للمزارعين: امتلاك قاعدة بيانات دقيقة عن الحيازات الزراعية وأنواع الإنتاج، توجيه الدعم والمساعدات بشكل عادل وشفاف، وتمكين المزارع المسجّل من الاستفادة من برامج الوزارة، القطاع الخاص، والمنظمات والجهات المانحة”.
الغابات والأحراج
يتطرّق لحود إلى “ملف الغابات والأحراج”، حيث يشير إلى أن ” الأحراج والغابات تُشكّل إحدى أبرز ثروات لبنان الطبيعية، وهي بمثابة رئة لبنان البيئية، وتوليها وزارة الزراعة أهمية قصوى من حيث الحماية والتوسّع وزيادة المساحات الحرجية”.
وعن كيفية “حماية الأحراج والغابات”، يلفت إلى أنه “في ملف الأحراج والغابات، تواجه الوزارة تعدّيات متزايدة، ما يستدعي تكاملًا حقيقيًا بين:وزارة الزراعة، البلديات، المجتمع المدني والبيئي، الجمعيات الأهلية”.
ويوضح أن “الوزارة وحدها لا تستطيع حماية الغابات، بل المطلوب أن يعتبر كل مواطن نفسه شريكًا وحارسًا للأحراج. ورغم الإمكانات المحدودة، قامت وزارة الزراعة عبر مراكز الأحراج بتنظيم محاضر ضبط بحق المخالفين وإحالتها إلى القضاء المختص، مع التأكيد على ضرورة تشديد الأحكام والعقوبات”.
أرقام ومحاضر ضبط
حتى تاريخه من العام 2025، يلفت إلى أنه “تم تسطير 744 محضر ضبط موزّعة على الشكل الآتي: مصلحة زراعة الشمال: 260 محضرًا، مصلحة زراعة الجنوب: 53 محضرًا، مصلحة زراعة النبطية: 34 محضرًا، مصلحة زراعة البقاع: 23 محضرًا، مصلحة زراعة جبل لبنان: 300 محضر، مصلحة زراعة عكار: 44 محضرًا، ومصلحة زراعة بعلبك – الهرمل: 30 محضرًا”.
كما يؤكد هنا أن “الوزارة ستحيل أي مخالفة لقوانين الغابات والأحراج فورًا إلى القضاء المختص، ولن يكون هناك أي تهاون في هذا المجال .
زيادة المساحات الحرجية
وبالتوازي مع الحماية، يشير لحود إلى أن “الوزارة تعمل على زيادة المساحات الحرجية من خلال برامج تشجير تشمل مختلف المناطق اللبنانية، بهدف: حماية الثروة الحرجية، تعزيز الغطاء الأخضر، الحفاظ على التنوّع البيولوجي، وذلك لضمان بقاء الغابات اللبنانية ثروة فريدة ومميّزة على مستوى الدول العربية وحوض المتوسط والعالم.
أخبار متعلقة :