جاء في “الراي الكويتية”:
يستعدّ لبنان لطيّ سنةٍ كان عنوانُها على مدار 12 شهراً «متى الحرب» الجديدة، ليطلّ على 2026 وسط سؤال لا يقلّ حراجة وإن بصيغة «هل تقع الحرب» أم ينجح «الرقص على حافتها» في تَفادي اندلاعها واستبدالها بسيناريواتٍ مثل تكثيف الضربات وربما توسيع رقعتها ولكن من دون استدراج الانفجار الكبير الذي يتشابك قراره مع ما يُرسم للمنطقة التي بدا أنها «تمدّدتْ» حتى… القرن الأفريقي.
وشَخَصَتْ «كل حواس» بيروت اليوم على لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي سبقتْه مؤشراتُ «حماسٍ» عالٍ لدى الأخير لمعالجة ملفيْ «حزب الله» وإيران على طريقة «آخر الدواء الكيّ»، في مقابل رغبةٍ من سيد «البيت الأبيض» في فرْملةِ اللجوء الى «المطرقة» وترْك فرصةٍ لاستكشاف إمكان تحقيق الأهداف بـ «وهج» الحرب «المتعددة الجبهة» – عسكرياً ومالياً واقتصادياً وصولاً إلى العالم السفلي للمخدرات وكارتلاتها في فنزويلا وأخواتها – من دون الضغط بالضرورة على زرّ التفجير.
الخيط الأبيض
وإذ لم يكن ممكناً استشراف الخيط الأبيض من الأسود ما سيكون على جبهة لبنان قبل تبيان خلاصات قمة فلوريدا، فإنّ أوساطاً سياسيةً أعربت عن عدم ارتياحها لمواقف الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم التي أطلقها الأحد، وبدت بمثابة «رصاص طائش» برسْم لبنان الرسمي كما لقاء ترامب – نتنياهو في ضوء وَضْعه «قِفلاً» حول منطقة شمال الليطاني التي يُعتبر انتقال خطة سحب سلاح الحزب إليها بعد 31 كانون الأول بمثابة «بوليصة التأمين» لـ«بلاد الأرز» من التصعيد الكبير الذي تتوثّب له تل أبيب و«برميل المياه» الذي يحتاج إليه ترامب لتبريد «برميل البارود» الإسرائيلي.
وبقي لبنان اليوم، تحت تأثير مواقف قاسم التي جاءت على طريقة«قدّمنا أقصى الممكن» عبر التعاون جنوب الليطاني وبلغة «اركبوا أقصى خيلكم ولن نتراجع ولن نستسلم»، ولا تسليم للسلاح شمال النهر مع ربط النقاش في هذا الأمر بسلّم أولويات يبدأ بانسحاب إسرائيل من الجنوب ووقف الاعتداءات والخروق الجوية والبرية وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار، وبعدها حوار داخلي حول استراتيجية الأمن الوطني وسبل الاستفادة من عنصر القوة الذي تشكله المقاومة.
«العودة بالزمن»
وهذا الأمر يَعْني عملياً وفقَ الأوساط السياسية إنهاءَ الحرب و«العودة بالزمن» الى يوم 7 تشرين الاول 2023، أي عشية إطلاق حزب الله حرب الإسناد لغزة، نزولاً إلى ما بعد حرب تموز 2006 وما حَكَمها من هدنةٍ طويلةٍ تعتبر تل أبيب وواشنطن أن الحزب راكم خلالها ترسانته العسكرية تسليحاً وتصنيعاً، وهو ما ترفضان تكراره على قاعدة «يستحيل» الرجوع إلى تلك المرحلة ومعادلاتها و«كأن شيئاً لم يكن»، ولا سيما في ضوء الخسائر التي لحقت بالمحور الإيراني وقوس نفوذه بعد«طوفان الأقصى» بسقوط «الحلقة الذهبية» التي شكلها نظام الأسدين، وصولاً إلى ضمور حزب الله بعد الأضرار التي لحقت به في حرب الـ 65 يوماً، ما يتطلب تسييل هذه النتائج، بمزيدٍ من تقليص قدرات الحزب الاستراتيجية وبلوغ تفاهماتٍ دبلو-سياسة ضامنة لحل مستدام.
«اتفاقية + هدنة» و«اتفاق – سلام».
وبات «المسرح» لهذه التفاهمات جاهزاً عبر الإطار الذي اعتُمد من خلال لجنة «الميكانيزم» التي أصبحت ذات«قبعتين»، عسكرية للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار (27 تشرين الثاني 2024) وترسيخ آلية التحقق من تحول جنوب الليطاني منزوعاً من سلاح حزب الله وعدم عودة الأخير إليه، وأخرى دبلو- مدنية يُراد أن توفّر«حصانة» لنهاية المسار الحربي، متى دقت ساعتها، وسط اقتناع بأن حصان التفاوض الـ ما فوق عسكري خرح من الحظيرة، رغم محاذرة لبنان الانغماس في أي نقاشاتٍ ذات طبيعة تطبيعية، وتركيزه على اعتبار تنفيذ إسرائيل موجباتها من اتفاق وقف النار، ولو تباعاً، مدخلاً لأي بحثٍ أعمق لا بد أن يطل، بحسب الأوساط السياسية عينها، على مرجعياتٍ قائمة ولكن مع تحديثها، بحيث يرسو أي حل دائم على ما بين «اتفاقية + هدنة» و«اتفاق – سلام».
وفي الوقت الذي شهدت الساعات الماضية تكثيفاً للحراك العربي – الخليجي في ما خص الملف اللبناني ملاقاةً لمهلة 31 كانون الأول، تاريخ انتهاء سحب السلاح جنوب الليطاني وما بعده، فإن الخطوة التالية للبنان شمال النهر بدت محكومة بمعطيات عن أن مجلس الوزراء قد يعلن في 5 أو 6 كانون الثاني إنجاز المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح بيد الدولة (جنوب النهر) مع التمسك بدعوة إسرائيل لتنفيذ الشق المتعلق بها من اتفاق 27 تشرين الثاني، وإطلاق مرحلة شمال الليطاني ولكن من دون تحديد مهلة زمنية.
ومن شأن هذا المسار في حال اعتُمد أن يشكل محاولةً لإمساك العصا من الوسط عبر إرضاء المجتمع الدولي بتأكيد جدية الحكومة في التزام قرار 5 أغسطس لسحب السلاح من كل البلاد، وفي الوقت نفسه عدم إخراج حزب الله عن طوره والمضيّ في جعله «يتجرّع» التراجعات تباعاً، هو الذي كان أمينه العام اعتبر أن أي انتقال الى شمال الليطاني تبرُعاً وخدمة لمصلحة إسرائيل، وأيضاً احتواء الضغوط التي يتوقّع أن تشتدّ على لبنان الرسمي كلما خفّ وهج التصعيد الكبير وربما كبديل عنه، وهو ما يُتوقّع أن يتبلور بعد قمة ترامب – نتنياهو.
وعلى مرمى أيام من الاجتماع الثالث للجنة الميكانيزم «المعزَّزة» في 7 كانون الثاني، التقى الرئيس جوزف عون أمس، رئيس الوفد اللبناني الى اجتماعاتها «المحدّثة» السفير السابق سيمون كرم، قبل أن يؤكد خلال استقباله وفد قيادة الجيش برئاسة العماد رودولف هيكل أن«التاريخ سيشهد أنّكم أنقذتم لبنان في الماضي، وستنقذونه في الحاضر، لأنكم تعملون لمصلحة وطنكم، وليس لمصلحة أحد».




